صيحة نذير على مواقع ووسائل التدمري
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِنْ شرور أنفسنا ومِنْ سيئات أعمالنا، مَنْ يهدِ الله فلا مضل له، ومَنْ يُضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [آل عمران ١٠٢].
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمُ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ٰحِدَةࣲ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالࣰا كَثِیرࣰا وَنِسَاۤءࣰۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ٱلَّذِی تَسَاۤءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَیۡكُمۡ رَقِیبࣰا﴾ [النساء ١].
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَقُولُوا۟ قَوۡلࣰا سَدِیدࣰا (٧٠) یُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَـٰلَكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِیمًا (٧١)﴾ [الأحزاب ٧٠-٧١].
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار..
وبعد
قال الله تعالى: ﴿وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ﴾ [البقرة: ٢٥١].
فمع ما لمواقع ووسائل التواصل من إيجابيات ومنافع، إلا أن الكثير منها اليوم يذبح الأخلاق والآداب والحياء والعفة والعقيدة من الوريد إلى الوريد.
بل لا مقارنة بين ما فعلته أسلحة العدو بشتى أنواعها وبين ما تفعله مواقع التواصل اليوم من التدمير للأخلاق والآداب وتدمير البيوت والأسر، وسمعنا وسمع غيرنا من القصص ما يدمع العين ويدمي القلب وتشيب له الرؤوس ثم ما ترتب على ذلك من مشاكل أسرية من قتل وطلاق وضياع وشتات وعداوة وتقاطع والقائمة تطول
وتعظم المصيبة أن تلك الوسائل:
تدمرنا وتدمر أسرنا و بيوتنا وأخلاقنا وديننا وآدابنا ونحن ندخلها إلى بيوتنا بأيدينا وأموالنا.
وقد قال الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
أكثر الناس إن لم أقل كل الناس اليوم يئنون بل والله ويبكون وهم يرون تلك القنوات والمواقع تدمر يوما بعد يوم دين وأخلاق القريب والبعيد من المسلمين.
وصار الكثير محتارا لا يدري ماذا يصنع بعد أن غزتنا تلك القنوات والمواقع إلى كل بيت إلا من رحم الله وعجز الكثير عن السيطرة حتى في بيته، وفي وجهة نظري:
إن سبب التدمير والفساد الذي أحدثته تلك المواقع في مجتمعاتنا وبيوتنا يرجع إلى أمرين:
الأول يرجع إلى كيفية التعامل معها بحيث يؤخذ حسنها ونافعها ويُترك سيؤها وضارها.
الثاني يرجع إلى ضعف المناعة فلو تسلح من يستخدم تلك المواقع بالعقيدة والإيمان والتقوى والعلم والأخلاق والآداب لدفع شر تلك المواقع وصده وسلم من شرها.
ومما يؤسف له:
أننا لا نرى من يتصدى لتلك المواقع والوسائل المدمرة ببيان خطرها وما فيها من الضرر والفساد على العقيدة والأخلاق، وإن وجد فهو لا يقارن بما تقوم به تلك المواقع من الجهود الجبارة في نشر الرذيلة والشر والفساد، وقد قيل (إذا كان عدوك نملة فلا تنم له ) فكيف إذا كان عدوك يمتلك الكثير والكثير من الإمكانيات ووسائل التدمير والفساد.
فيا دعاة الإسلام
و يا دعاة الخير والفضيلة
يا حماة العقيدة والأخلاق والآداب
من العلماء وأصحاب القرار
وأصحاب الأموال والإعلاميين والمثقفين وغيرهم
لقد وجب عليكم اليوم أن توجهوا جهودكم وسهامكم وأفكاركم لصد تلك القنوات والمواقع المدمرة للأخلاق والآداب
قبل أن يندم الجميع و والله إنكم لـمسؤولون أمام الله عن ذلك.
الأمر خطير والله
فقد غزانا دعاة الرذيلة والفساد إلى كل بيت، والكل اليوم مسؤول وكل بحسبه كما قال الرسول _صلى الله عليه وسلم_:
«أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ،
فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ،
وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ،
وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا، وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ،
وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ،
أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رواه البخاري ومسلم
وإن من أعظم ما يُبث في تلك المواقع والوسائل:
الشبهات
التي تشكك الجاهل في دينه وعقيدته وهذا وايم الله لمن أخطر ما يُبث في تلك المواقع.
ويجب أن يتصدى له أهل العلم بالرد على تلك الشبهات بكل الوسائل المتاحة لهم.
أنقذوا الناس:
والله إن الكثير اليوم يهلك ولا يجد من ينقذه
وما نزل بهم أخطر عليهم من جائحة كورونا
احضروا عنهم مواقع الفساد
والله إن الواقع اليوم أخطر بكثير مما ذكرت
وقد سمعت مقطعا صوتيا للشيخ صالح الفوزان حفظه الله وهو يصرخ بأعلى صوته ويقول: أنقذوا بناتكم أنقذوا نساءكم أنقذوا أبناءكم.
وقد قال تعالى: ﴿وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [البقرة ٢٥١] [البقرة: ٢٥١].
إن بقاء الخير ظاهرا في أرض الله متوقف على حماية أهله له ودفاعهم عنه.
والله عزوحل تكفل بحفظ وبقاء من يقيم الحجة على الناس في الأرض أما انتشار الخير في الأرض فقد أمر الله عباده بأن يقوموا بذلك قال تعالى:
﴿وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةࣱ یَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَیۡرِ وَیَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [آل عمران ١٠٤].
لا يكن أهل الباطل أنشط من أهل الحق.
والله لقد رأينا من أهل الباطل من يبذل جهودا كبيرة وأموالا كثيرا لنشر باطله.
فلم يكتفوا بتلك المواقع والوسائل لنشر شرهم وباطلهم.
فقد رأينا والله من أهل الكفر من يأت ويطرق الباب ويحرج أصحاب البيت بالدخول بأسلوبه الماكر حالهم كما قال الله تعالى:
﴿وَقَالَ ٱلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوا۟ لِلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُوا۟ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ إِذۡ تَأۡمُرُونَنَاۤ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥۤ أَندَادࣰاۚ الآية﴾ [سبأ: ٣٣].
يا أهل الإسلام
و يا دعاة الخير والفضيلة
لا تتركوا لهم تلك المواقع والوسائل ليفسدوا عباد الله
زاحموهم فيها
وكونوا أنشط منهم
وأشد بذلا لأوقاتكم وأموالكم في نشر الخير والفضيلة وتحذير الناس من الشر والرذيلة
نحن اليوم في معركة حقيقية
بين الخير والشر وبين الحق والباطل
والشر اليوم يدعمه الغرب والشرق بكل إمكانياتهم إلا من رحم الله
فلم يبق على أهل الحق إلا أن يستعينوا بالله
ويوحدوا جهودهم وآراءهم
ويقوموا بما أوجب الله عليهم
وقد قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ یَنصُرۡكُمۡ وَیُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ (٧)﴾ [محمد: 7].
فلقد استغل المفسدون:
كثيرا من تلك المواقع لإفساد عقيدة وأخلاق مجتمعاتنا الإسلامية التي لم يبق في الأرض غيرها يوحد الله ويؤمن بجميع أنبيائه ورسله ويعبد الله وحده لا شريك له ويحافظ على الأخلاق والآداب والحياء والعفة التي جاءت بها أنبياء الله ورسله ودعت إليها قبل ذلك الفطر السليمة.
* فيا أيها العقلاء
لنتعاون جميعا على وضع حد لتلك المواقع والوسائل والقنوات
التي تسعى لتدمير الأخلاق والقيم والآداب
وإلا فلن يجد الناس بعد ذلك من يغطي احتياجاتهم
من طبيب
ومهندس
وإداري وغيرهم
لأن ما يُبث اليوم يدمر العقول والقلوب والأبدان والأوقات
وينشأ جيل لا هم له بعلم ولا عمل ولا بمصالح عامة ولا خاصة
وإنما جيل ضائع متسكع غارق في كأس خمر واستنشاق مخدر يحصل عليهما بأي طريقة كانت والبحث عن عشيقة أو عشيق سهر بالليل ونوم بالنهار لا يستطيع أن يقوم بنفسه فضلا عن أن يقوم ببناء أسرة أو يساعد في بناء مجتمع
جيل عاطل وعاجز من أن يقدم كأس ماء لأب عاجز أو لأم مريضة والله المستعان
و يا أيها الآباء
والأمهات
والأولياء
لا تتركوا أولادكم لتلك الأجهزة لتعبث بهم كيف شاءت وتفسد عقيدتهم وآدابهم وأخلاقهم
أشغلوهم بما ينفعهم في دينهم ودنياهم
ليكن لكم موقفا حازما قبل فوات الأوان
والله لقد رأينا من يبكي ومن يتقطع حزنا على فساد بيته وأهله
وسمعنا وسمع غيرنا من القصص والوقائع
مالم يكن يخطر على بال
من الجرأة على دين الله
وعلى الأصول والثوابت
وعلى الأخلاق والآداب
وعلى الآباء والأمهات
وعلى أهل العلم والفضل
والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.
كتبه
منصور بن محمد بن حسن الزبيري
إمام وخطيب
مسجد الراعي الأصبحي صنعاء
الثاني من شهر ذي القعدة 1441
صيحة نذير على مواقع ووسائل التدمري